مان تو مان..!
احترق مجلس الشورى والفاعل معلوم!
سوف يبحثون عن الفاعل فيقولون إنه الإهمال.. أو ربما قالوا إنه التقاعس أو التراخى.. وربما ألصقوا تهمة الحريق لجهاز الإطفاء.. سيذهبون حتمًا إلى متهمين أبعد ما يكونون عن السبب أو المتهم الحقيقى.. الذى هو وزير الداخلية ولا أحد غيره، فهو المسئول الأول ولا مسئول دونه، حين أولى كل الاهتمام بالأمن السياسى لتأمين النظام من معارضيه وتجاهل كل أمر دون ذلك، فعمل على تحديث وسائل التعذيب ومقاومة المعارضين والتصدى لهم.. وترك كل الأمور الأخرى التى تخص وزارته، على حالها من التخلف وسوء الحال، فبقيت أجهزة الإطفاء تعمل بنفس النظام الذى كانت تعمل به منذ عشرات السنين، وأوكل العمل بها لكل المغضوب عليهم من ضباط الداخلية الذين يلتحقون به كعقوبة تأديبية على مخالفة ارتكبوها فى الأقسام الأخرى بالوزارة.. فأضاف إلى تخلف الأجهزة والمعدات، تخلف العقول التى تديرها.. بينما خص الأمن السياسى، الذى هو أمن النظام وحده، وليس أمن المجتمع وأمن مواطنيه، بأصحاب العقول من الضباط، الذين يتمتعون بالكفاءة التى يسخرها لتعقب المعارضين وأصحاب الميول المناهضة للحكم، كما سخر كل إمكانات الوزارة وأغلب البنود فى ميزانيتها للأمن السياسى، حتى أصبح هناك «مخبر» لكل مواطن، يعمل بطريقة (man To
man) ـ أى رجل لرجل ـ المعروفة فى
مباريات الكرة.. يتعقبه ويعد عليه أنفاسه.. بينما تركت منشآتنا الحيوية والأثرية نهبًا للحرائق أو السرقات أو التخريب فى أفضل الأحوال.
حرائق فى مبنى التليفزيون على التوالى، وحريق فى مسرح بنى سويف، وحرائق فى القطارات، أو السفن، وحرائق فى المصانع الكبرى، وفى مخازن كبريات الشركات، وفى محلات الموسكى والأسواق الشعبية، وحرائق فى المولات، كل تلك الحرائق التى أصبحت ظاهرة مصرية، والداخلية لا تلتفت إلى التخلف الذى أصاب أجهزة الإطفاء وسوء الأحوال التى وصلت إليها بالإهمال والتجاهل، فهناك ما هو أهم من احتراق البلد بكاملها، وهو نظام الحكم وكبار مسئوليه الذين يجب أن ننفق كل مليم فى الميزانية لتأمين سلامتهم، وتوفير الحماية اللازمة لهم حتى لو كان ذلك على حساب الوطن ومواطنيه.. فلتحترق مصر، وليحترق المصريون، وليبقى الرئيس ونظامه بعيدًا عن مستصغر الشرر!!
(2)
لقد احترق الشورى، قبل أن يحترق!
احترق المبنى.. بعد أن احترق المعنى.. فلا معنى لوجود مثل هذا الشيء الذى أطل علينا فى مطلع الثمانينيات ليكون أقرب إلى «مستودع الكهنة» منه لأى شيء آخر، فلا معنى لهذا الشيء الذى يحمل اسم مجلس الشورى، الذى لا يختلف عن «مجلس الصورة» حين جاء منزوع الدسم منذ البداية فلا يحق للسادة أعضائه الموقرين أن يقدموا أى طلب للحكومة أو مساءلتها، فهو مجرد مجلس للكلام، أى أنه مجرد «مكلمة» لا تقدم ولا تؤخر، فلماذا لا نبقى على الملايين التى يتم صرفها على مجلس «لزوم ما لا يلزم» من انتخابات ومكافآت وبدل جلسات، إلى آخر ما يخصص له من ميزانية تجاوز مئات الملايين كل عام، دون فائدة ترجى من ورائه، وما هو لزوم منح الحصانة للسادة من أعضائه إذا لم يكن لهم من دور يؤدونه فى مراقبة الأداء الحكومى، أو مساءلتها عن أى مخالفة ترتكبها، فالحصانة تمنح لحماية العضو فى مواجهة الحكومة. فإذا لم تكن هناك مواجهة فلا معنى لتوفير الحماية له التى تصبح فى هذه الحالة مثل من يلبس الدرع ليحارب طواحين الهواء فى مسرحية دون كيشوت الشهيرة!!
إن الحياة السياسية فى مصر دون هذا المجلس لا تختلف فى شيء فى ظل وجوده، فكل ما هو غير ملزم.. غير لازم.. طالما لا يمكنه إلزام أحد بما يراه، فلا لزوم له فى نظر أحد.
لقد احترق مجلس الشورى فى مبناه.. واحترق قبل ذلك فى معناه، وإذا كنتم تريدون ترميم المبنى أو إعادة بنائه، فابدأوا بترميم دوره، وأعيدوا بناء هذا الدور من جديد، ليكون مجلسًا لأصحاب الحل والعقد، وليس مجرد مكان للثرثرة وقزقزة اللب.. وإلا اتركوه أثرًا.. بلا أثر!
(3)
ذهب أكثر من مائة رياضى مصرى إلى دورة بكين الأوليمبية وهى أكبر بعثة مصرية شاركت فى دورة من الدورات الأوليمبية على مدى التاريخ. وقد تكلف الإعداد لها أكثر من ثمانين مليون جنيه، ليعود إلينا هؤلاء بميدالية نصفها من الصفيح، وهى أغلى ميدالية فى تاريخ الألعاب الأوليمبية، فقد اشتريناها بثمانين مليون جنيه تم صرفها على البعثة الأوليمبية التى فشلت فى الحصول على غيرها!!
لقد احتلت مصر المركز الأخير عالميا فى قائمة الميداليات، وسبقتها فى القائمة دولة البحرين وتوجو وكينيا وترينداد وجامايكا ودول أخرى كثيرة لا نكاد نراها على خريطة العالم!
عادت البعثة. فاستقبلناها بوصلات إعلامية من اللوم والذم ولطم الخدود وشق الجيوب.. والمطالبة بمحاسبتها على حصولها على الميدالية الذهبية فى الفشل!!
وجميل أن تتم المحاسبة، ولكن السؤال من سيحاسب من؟ ومن الذى يملك المحاسبة على الفشل والكل سبق الجميع فى فشله؟!.. هل يحاسب الفاشلون فى السياسة الفاشلين فى الرياضة؟!
أم أن الذى يحاسب هؤلاء الذين فشلوا فى توفير رغيف الخبز لملايين المواطنين؟!.. وهل جرى محاسبة أحد فى مصر على فشل تسبب فيه.. هل حاسب أحد الذين فشلوا فى توفير الخبز أو الذين فشلوا فى توفير فرص العمل للشباب العاطل، أو الذين فشلوا فى إدارة المرافق من مترو الأنفاق إلى القطارات، وهل حاسب أحد مالك عبارة الموت، وهل حاسب أحد أحدًا فشل فى إطفاء حريق استمر لعدة ساعات فى قلب القاهرة؟
من يحاسب من؟ وهل نعرف فى مصر الحساب والمحاسبة والعقاب.. والمعاقبة؟
من يحاسب من؟.. ومن يعاقب من على الفشل.. والكل فاشل؟!
هل حسابنا أحدًا على صفر المونديال؟
وهل حاسبنا أحدًا على الحرائق التى تتوالى فى كل مرافقنا أو منشآتنا الحيوية والأثرية؟
وهل حاسبنا أحدًا على التعذيب فى السجون والمعتقلات وانتهاك الحرمات فى البيوت أو الشوارع؟
وهل حاسبنا أحدًا على انتهاك حقوق الإنسان التى تقع كل لحظة، فى كل مكان؟
إذا كنا قد حاسبنا أحدًا على ذلك.. فحاسبوا الفاشلين فى بكين وفى غير بكين.. ومن كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر!!
المصدر :
جريده العربى
..
احترق مجلس الشورى والفاعل معلوم!
سوف يبحثون عن الفاعل فيقولون إنه الإهمال.. أو ربما قالوا إنه التقاعس أو التراخى.. وربما ألصقوا تهمة الحريق لجهاز الإطفاء.. سيذهبون حتمًا إلى متهمين أبعد ما يكونون عن السبب أو المتهم الحقيقى.. الذى هو وزير الداخلية ولا أحد غيره، فهو المسئول الأول ولا مسئول دونه، حين أولى كل الاهتمام بالأمن السياسى لتأمين النظام من معارضيه وتجاهل كل أمر دون ذلك، فعمل على تحديث وسائل التعذيب ومقاومة المعارضين والتصدى لهم.. وترك كل الأمور الأخرى التى تخص وزارته، على حالها من التخلف وسوء الحال، فبقيت أجهزة الإطفاء تعمل بنفس النظام الذى كانت تعمل به منذ عشرات السنين، وأوكل العمل بها لكل المغضوب عليهم من ضباط الداخلية الذين يلتحقون به كعقوبة تأديبية على مخالفة ارتكبوها فى الأقسام الأخرى بالوزارة.. فأضاف إلى تخلف الأجهزة والمعدات، تخلف العقول التى تديرها.. بينما خص الأمن السياسى، الذى هو أمن النظام وحده، وليس أمن المجتمع وأمن مواطنيه، بأصحاب العقول من الضباط، الذين يتمتعون بالكفاءة التى يسخرها لتعقب المعارضين وأصحاب الميول المناهضة للحكم، كما سخر كل إمكانات الوزارة وأغلب البنود فى ميزانيتها للأمن السياسى، حتى أصبح هناك «مخبر» لكل مواطن، يعمل بطريقة (man To
man) ـ أى رجل لرجل ـ المعروفة فى
مباريات الكرة.. يتعقبه ويعد عليه أنفاسه.. بينما تركت منشآتنا الحيوية والأثرية نهبًا للحرائق أو السرقات أو التخريب فى أفضل الأحوال.
حرائق فى مبنى التليفزيون على التوالى، وحريق فى مسرح بنى سويف، وحرائق فى القطارات، أو السفن، وحرائق فى المصانع الكبرى، وفى مخازن كبريات الشركات، وفى محلات الموسكى والأسواق الشعبية، وحرائق فى المولات، كل تلك الحرائق التى أصبحت ظاهرة مصرية، والداخلية لا تلتفت إلى التخلف الذى أصاب أجهزة الإطفاء وسوء الأحوال التى وصلت إليها بالإهمال والتجاهل، فهناك ما هو أهم من احتراق البلد بكاملها، وهو نظام الحكم وكبار مسئوليه الذين يجب أن ننفق كل مليم فى الميزانية لتأمين سلامتهم، وتوفير الحماية اللازمة لهم حتى لو كان ذلك على حساب الوطن ومواطنيه.. فلتحترق مصر، وليحترق المصريون، وليبقى الرئيس ونظامه بعيدًا عن مستصغر الشرر!!
(2)
لقد احترق الشورى، قبل أن يحترق!
احترق المبنى.. بعد أن احترق المعنى.. فلا معنى لوجود مثل هذا الشيء الذى أطل علينا فى مطلع الثمانينيات ليكون أقرب إلى «مستودع الكهنة» منه لأى شيء آخر، فلا معنى لهذا الشيء الذى يحمل اسم مجلس الشورى، الذى لا يختلف عن «مجلس الصورة» حين جاء منزوع الدسم منذ البداية فلا يحق للسادة أعضائه الموقرين أن يقدموا أى طلب للحكومة أو مساءلتها، فهو مجرد مجلس للكلام، أى أنه مجرد «مكلمة» لا تقدم ولا تؤخر، فلماذا لا نبقى على الملايين التى يتم صرفها على مجلس «لزوم ما لا يلزم» من انتخابات ومكافآت وبدل جلسات، إلى آخر ما يخصص له من ميزانية تجاوز مئات الملايين كل عام، دون فائدة ترجى من ورائه، وما هو لزوم منح الحصانة للسادة من أعضائه إذا لم يكن لهم من دور يؤدونه فى مراقبة الأداء الحكومى، أو مساءلتها عن أى مخالفة ترتكبها، فالحصانة تمنح لحماية العضو فى مواجهة الحكومة. فإذا لم تكن هناك مواجهة فلا معنى لتوفير الحماية له التى تصبح فى هذه الحالة مثل من يلبس الدرع ليحارب طواحين الهواء فى مسرحية دون كيشوت الشهيرة!!
إن الحياة السياسية فى مصر دون هذا المجلس لا تختلف فى شيء فى ظل وجوده، فكل ما هو غير ملزم.. غير لازم.. طالما لا يمكنه إلزام أحد بما يراه، فلا لزوم له فى نظر أحد.
لقد احترق مجلس الشورى فى مبناه.. واحترق قبل ذلك فى معناه، وإذا كنتم تريدون ترميم المبنى أو إعادة بنائه، فابدأوا بترميم دوره، وأعيدوا بناء هذا الدور من جديد، ليكون مجلسًا لأصحاب الحل والعقد، وليس مجرد مكان للثرثرة وقزقزة اللب.. وإلا اتركوه أثرًا.. بلا أثر!
(3)
ذهب أكثر من مائة رياضى مصرى إلى دورة بكين الأوليمبية وهى أكبر بعثة مصرية شاركت فى دورة من الدورات الأوليمبية على مدى التاريخ. وقد تكلف الإعداد لها أكثر من ثمانين مليون جنيه، ليعود إلينا هؤلاء بميدالية نصفها من الصفيح، وهى أغلى ميدالية فى تاريخ الألعاب الأوليمبية، فقد اشتريناها بثمانين مليون جنيه تم صرفها على البعثة الأوليمبية التى فشلت فى الحصول على غيرها!!
لقد احتلت مصر المركز الأخير عالميا فى قائمة الميداليات، وسبقتها فى القائمة دولة البحرين وتوجو وكينيا وترينداد وجامايكا ودول أخرى كثيرة لا نكاد نراها على خريطة العالم!
عادت البعثة. فاستقبلناها بوصلات إعلامية من اللوم والذم ولطم الخدود وشق الجيوب.. والمطالبة بمحاسبتها على حصولها على الميدالية الذهبية فى الفشل!!
وجميل أن تتم المحاسبة، ولكن السؤال من سيحاسب من؟ ومن الذى يملك المحاسبة على الفشل والكل سبق الجميع فى فشله؟!.. هل يحاسب الفاشلون فى السياسة الفاشلين فى الرياضة؟!
أم أن الذى يحاسب هؤلاء الذين فشلوا فى توفير رغيف الخبز لملايين المواطنين؟!.. وهل جرى محاسبة أحد فى مصر على فشل تسبب فيه.. هل حاسب أحد الذين فشلوا فى توفير الخبز أو الذين فشلوا فى توفير فرص العمل للشباب العاطل، أو الذين فشلوا فى إدارة المرافق من مترو الأنفاق إلى القطارات، وهل حاسب أحد مالك عبارة الموت، وهل حاسب أحد أحدًا فشل فى إطفاء حريق استمر لعدة ساعات فى قلب القاهرة؟
من يحاسب من؟ وهل نعرف فى مصر الحساب والمحاسبة والعقاب.. والمعاقبة؟
من يحاسب من؟.. ومن يعاقب من على الفشل.. والكل فاشل؟!
هل حسابنا أحدًا على صفر المونديال؟
وهل حاسبنا أحدًا على الحرائق التى تتوالى فى كل مرافقنا أو منشآتنا الحيوية والأثرية؟
وهل حاسبنا أحدًا على التعذيب فى السجون والمعتقلات وانتهاك الحرمات فى البيوت أو الشوارع؟
وهل حاسبنا أحدًا على انتهاك حقوق الإنسان التى تقع كل لحظة، فى كل مكان؟
إذا كنا قد حاسبنا أحدًا على ذلك.. فحاسبوا الفاشلين فى بكين وفى غير بكين.. ومن كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر!!
المصدر :
جريده العربى
..